فصل: سنة سبع وعشرين وسبع مائة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة حوادث الزمان وتقليب أحوال الإنسان وتاريخ موت بعض المشهورين من الأعيان **


 سنة اثنتين وعشرين وسبع مائة

وفيها توفي شيخنا المحدث الإمام العلامة الراوية صاحب الأسانيد العالية بركة الوقت فريد العصر بقية المحدثين الصالحين رضي الدين إبراهيم بن محمد الطبري المالكي إمام المقام في الحرم الشريف ذو الأوصاف الرضية والمنصب المنيف سمع رضي الله تعالى عنه ما يطول عقه من الكتب والأجزاء في الحديث والتفسير والفقه والسير واللغة والتصوف وغير ذلك من خلائق من الأئمة الكبار وأجاز له أيضاً خلائق من جلة يطول عدهم ويعلو مجدهم وكل ذلك مثبت بخطه في بيت محفوظ في كتبه وتفرد في آخر عمره خصوصاً برواية صحيح البخاري واعترف له الجلة بالجلالة حتى قال له محدث القدس المتفرد في وقته صلاح الدين العلاني رحمه الله‏:‏ لي من الشيوخ قريب من ألف ما فيهم مثل شيخك يعني رضي الدين المذكور‏.‏

وبلغني أن إمام اليمن وبركة الزمن الفقيه الكبير الولي الشهير السيد الجليل ذا المناقب الزاهرة والكرامات الباهرة أحمد بن موسى بن عجيل سأله بعض أهل مكة الدعاء فقال‏:‏ عندكم إبراهيم‏.‏

وله نظم جيد وتواليف منها كتاب ‏"‏ الجنة في مختصر شرح السنة ‏"‏ للإمام البغوي وغير ذلك وكان رضي الله تعالى عنه مع اتساعه في رواية الحديث له معرفة بالفقه والعربية وغيرهما‏.‏

وكانت قراءتي عليه في أول سنة إحدى وعشرين إلى أن اشتد مرض موته في شهر صفر من سنة اثنتين وعشرين وقال لي‏:‏ يا ولدي لقد حصلت علي في هذه السنة ما لم أحصله في سنين كثيرة ومن مقروءاتي عليه صحيح البخاري ومسلم وسنن أبي داؤد والترمذي والنسائي والدرامي وابن حبان ومسند الإمام الشافعي والشمائل للترمذي وعوارف المعارف للسهروردي والسيرة لابن هشام وعلوم الحديث لابن الصلاح ومنسكه وخلاصة السيرة وصفة القراء والمجالس الملكية والعوالي من مسموعات الفراوي والأربعين من سباعياته والأنباء المنبئة عن فضل المدينة والأربعون المختارة في صفات الحج والزيارة لابن مسدي والسداسيات للحافظ السلفي وخماسيات ابن النقور وجزء من حديث ابن عرفة ومقاصد الصوم لابن عبد السلام والأربعون من أربعين كتاباً للهروي وفضائل شهر شعبان لابن أبي الصيف وسداسيات الميانسي وكتاب أعلام الهدى وعقيدة أرباب التقى للشيخ شهاب الدين السهروردي ومسلسلات الديباجي وتساعيات شيخنا رضي الدين المذكور وكتاب محاسبة النفس لابن أبي الدنيا وإجارة المجهول والمعموم للحافظ الخطيب وثمانون للآجري وأربعون للملك المظفر صاحب اليمن والأربعون للنواوي والأربعون الثقفيات وغير ذلك‏.‏وقد أفردت لمعظم ذلك أشياء كثيرة مثبتاً في أوراق عديدة وأضفت ذلك مجازاتي منه ومقروءاتي على غيره مالي من تصنيف وتأليف نظماً ونثراً في جزء كتبته وقرأه علي ناس كثيرون وكان آخر ما قرأته على شيخنا المذكور الملخص للمغافري توفي وقراءتي في أثنائه رحمه الله تعالى ورحم وجل اعتمادي منهم على ثلاثة شيوخ مشهورين بالعلم والصلاح بل بالولايات والكرامات وعوالي المناقب والمكانات‏.‏

أحدهم الشيخ رضي الدين المذكور والثاني شيخنا وبركتنا الإمام الفريد ذو الوصف الحميد زين عدن وبركة اليمن مفيد الطلاب وحليف المحراب الخاشع الأواب العالم العامل الزاهد العابد المفضال جمال الدين محمد بن أحمد المعروف بالنضال الذهبي اليمني الشافعي رضي الله تعالى عنه وأرضاه ورفع في الجنان قدره وأعلاه وهو أول من انتفعت به‏.‏

والثالث شيخنا وبركتنا وسيدنا وقدرتنا الشيخ الكبير العارف بالله الشهير الخبير ذو المقامات العلية والكرامات السنية والمواهب الجزيلة والأوصاف الجميلة مطلع الأنوار وخزانة الأسرار أبو الحسن علي بن عبد الله اليمني الشافعي الصوفي مذهباً المعروف بالطواشي نسباً - قدس الله روحه - ونور ضريحه وقد ذكرت إلى من نسب في لبس الخرقة من الشيوخ في كتاب نشر الريحان في فضل المتحابين في الله من الأخوان وذكرت هنالك شيئاً من كراماته العظيمة وفضائله الكريمة وكلا هذين الشيخين اليمنيين المذكورين توفيا في سنة ثمان وأربعين وسبع مائة وصلينا عليهما في يوم واحد في المدينة الشريفة وليس هذا موضع ذكر مناقبهما - رحمة الله تعالى عليهما - وسيأتي ذكرهما إن شاء الله تعالى في السنة المذكورة‏.‏

وفيها ماتت بالقدس المعمرة الراحلة أم محمد زينب بنت أحمد بن عمر بن أبي بكر بن سكر المقدسي في ذي الحجة عن أربع وتسعين سنة وسمعت من غير واحد وتفردت بالأجزاء الثقفيات‏.‏

 سنة ثلاث وعشرين وسبع مائة

فيها توفي الفقيه الإمام المدرس المفيد الشافعي كان من أعيان الأئمة الشافعية وخيار الفقهاء وكبارهم درس وأعاد في مدارس وانتفع به خلق كثير وصنف في الفقه روايد التعجيز على التنبيه وثاب في الحكم عن قاضي القضاة الزرعي ثم عن قاضي القضاة بدر الدين وتولى وكالة بيت المال ولم يزل على ذلك إلى أن ليلة الجمعة رابع عشر ذي الحجة من السنة المذكورة رحمه الله تعالى‏.‏وفيها أمسك الكريم السلماني وكيل السلطان الملك الناصر وزالت سعادته التي كانت يضرب به المثل‏.‏

وفيها مات بدمشق في ربيع الأول قاضي دمشق ذو الفضائل ورئيسها الكامل نجم الدين أبو العباس أحمد بن محمد المعروف بابن صصري الثعلبي الشافعي سمع من جماعة وأفتى ودرس وله النظم والترسل والخط المنسوب والمروس الطويلة والفصاحة وحسن العبارة والمكارم مع دين وحسن سريرة ولي القضاء إحدى وعشرين سنة‏.‏

وفيها مات مسند الشام بهاء الدين القاسم ابن المظفر ابن تاج الأمناء ابن عساكر‏.‏

وفيها مات بالمزة ليلة عرفة مسند الوقت شمس الدين أبو نصر محمد بن محمد بن محمد بن هبة الله ابن الشيرازي الدمشقي سمع من جماعه وله مشيخة وعوال وكان ساكناً وقوراً منقبضاً عن الناس‏.‏

 سنة أربع وعشرين وسبع مائة

فيها كان الغلاء بالشام وبلغت الغرارة أزيد من مائتي درهم أياماً ثم جلب القمح من مصر بإلزام السلطان لأمرائه فنزل إلى مائة وعشرين درهماً ثم بقي أشهراً ونزل السعر بعد شدة وأسقط مكس الأقوات بالشام بكتاب سلطاني وكان على الغرارة ثلاثة ونصف‏.‏

قلت هذا الغلاء المذكور في الشام هو عندنا في الحجاز رخص ولقد بلغ ثمن الغرارة الشامية في مكة وقت كتابتي لذكر هذا الغلاء المذكور في هذا التاريخ فوق ألف وثلاث مائة درهم‏.‏

وفيها قدم حاجاً ملك التكرور موسى بن أبي بكر بن أبي الأسود في ألوف من عسكره للحج فنزل سعر الذهب درهمين ودخل إلى السلطان فسلم ولم يجلس ثم أركب حصاناً‏.‏

وأهدى هو إلى السلطان أربعين ألف مثقال وإلى نائبه عشرة آلاف وهو شاب عاقل حسن الشكل راغب في العلم مالكي المذهب‏.‏

قلت‏:‏ ومن عقله أني رأيته في منزله في الشباك المشرف على الكعبة بحي رباط الحوري وهو يسكن أصحابه التالدة عند هيجان فتنة ثارت بينهم وبين الترك وقد شهروا فيها السيوف في المسجد الحرام وهو مشرف عليهم فيشير عليهم بالرجوع عن القتال‏.‏

شديد الغضب عليهم في تلك الفتنة من رجحان عقله إذ لا ملجأ له ولا ناصر في غير وطنه وأهله وإن ضاق الفضاء بخيله ورجله‏.‏

وفيها مات بمصر المفتي الإمام الجليل القدر بين الأنام الزاهد نور الدين علي بن يعقوب البكري الشافعي كهلاً وهو الذي أذى ابن تيميه وأقدم على الإنكار الغليظ الباهر على السلطان الملك الناصر وتسلم من بطشه وفتكه القاهر ولم يزد على الأمر بإبعاده وإخرإجه من بلاده وقيل‏:‏ إنه أمر بقطع لسانه فتلجلج وظهر الخوف في جنانه فقال السلطان لو ثبت لكان عندي عظيم الشأن‏.‏وفيها مات مخنوقاً الصاحب الكبير كريم الدين عبد الكريم بن هبة الله القبطي السلماني بأسوان وكان قد نفي إلى الشويك ثم إلى القدس ثم إلى الأسوان ثم سبق سراً وكان هو الكل وإليه الحل والعقد بلغ‏.‏

من الرتبة ما لا مزيد عليه وجمع أموالاً عظيمة فأعاد أكثرها إلى السلطان‏.‏

وكان عاقلاً ذا هيبة وسماحة فمرض مرة فزينت مصر لعافيته وكان يعظم الدينين ولم يرو ايثاره‏.‏

وفيها مات في ذي الحجة بدمشق المفتي الزاهد علاء الدين علي بن إبراهيم بن العطار الشافعي يلفت بمختصر النووي سمع من غير واحد وأصابه فالج أزيد من عشرين سنة وله فضائل وتأله واتباع وكان شيخ النورية‏.‏

قلت‏:‏ هكذا ذكر الذهبي ولم يذكر ما قد عرف واشتهر وشاع وتقرر عنه أنه من أصحاب الشيخ معتمد الفتاوى محمد محيي الدين النووي وروى عنه بعض كتبه جامع جزء من مناقبه‏.‏

وفيها توفي الشيخ صفي الدين محمد بن عبد الرحيم الفقيه الإمام العلاء الأصولي الشافعي نزيل دمشق درس بالظاهرية وتفقه بجده لأمه وأخذ عن سراج الدين الأرموي العقليات وسمع من الفخر علي وصنف وأفتى ودرس وكان فيه دين وتعبد ودرس في الجامع وتخرج به أئمة وفضلاء‏.‏

في جمادى الأولى كاد غرق بغداد المهول حتى بقيت كالسفينة وساوى الماء الأسود وغرق الأمم من الفلاحين وعظمت الاستغاثة بالله ودام خمس ليال وعملت سكور فوق الأسوار ولولا ذلك لغرق جميع البلد وليس الخبر كالعيان وقيل‏:‏ تهد بالجانب الغربي نحو خمس آلاف بيت‏.‏

ومن الآيات أن مقبرة الإمام أحمد بن حنبل غرقت سوى البيت الذي فيه ضريحه فإن الماء دخل في الدهليز علو ذراع ووقف بإذن الله وبقيت البواري عليها غبار حول القبر صح هذا وجر السيل أخشاباً كباراً وحيات غريبة الشكل صعد بعضها في النخل وله نضب الماء نبت على الأرض شكل بطيخ كعظيم القثاء‏.‏

وفيها سار من مصر نحو ألفي فارس نجدة للمجاهد صاحب اليمن على من كان قد استولى على الملك من قرابته وممن خالف عليه ابن عمه الملك الظاهر وهو محصور في حسن تعز برمي بالمنجنيق فيصيب ما حوله من الجدران ورجع العسكر المذكور وقد موتت خيلهم ولم يقضوا حاجة لعسر جبال اليمن وتحصن أهلها في الحصون العالية ولكن لما أراد الله تأييد الملك المجاهد خرج من الحصن في نفر يسير وانتصر وسار إلى عدن وأخذها بمساعدة يافع إذ كانوا هم الذين رتبوا في حصونها وجبالها يحرسونها ولم يزل ذا نجدة وشجاعة يقاتل قدام الجيش وملكه يزيد ويعلوا إلى أن لزموا أمر مصر في حجته وساعدهم الشريف عجلان صاحب مكة وانخذل عسكره ولم يزل مخذولاً بعد ذلك وملكه يضعف وينزل إلى أن لم يبق له من ملك اليمن شيء يعتد به وكان قد عاهد الله بعدما لزم أنه يعدل فلما تخلص من المحن ورجع إلى اليمن لم يف بذلك وانعطف بل زاد ظلمه ولم يزل الظلم يقوى والملك يضعف إلى أن تلاشى وذهب بالكلية ونسأل الله العفو والعافية من كل بلية‏.‏

وفيها ضرب بمصر الشهاب بن مري اليمني وسجن لنهيه عن الاستغاثة والتوصل بأحد غير الله ومقت لذلك ثم فر إلى أرض الجزيرة فأقام هناك سنين ورجع ملك التكرور موسى فخلع عليه السلطان خلعة الملك وعمامة مدورة وجبة سوداء وسيفاً مذهباً‏.‏

وفيها مات بمصر الإمام شيخ القراء تقي الدين محمد بن أحمد بن عبد الخالق المصري الشافعي الخطيب ابن الصائغ عن ثمان وثمانين سنة تلا بالسبع على الكمالين الضريري وابن فارس واشتهر وأخذ عنه خلق ورحل إليه وكان ذا دين وخير وفضيلة ومشاركات قوية‏.‏وفيها مات شيخ الحديث بالمنصررية نور الدين علي بن جابر الهاشمي اليمني الشافعي حدث عن الزكي البيلقاني وعرض عليه الوجيز للغزالي وله مشاركات وشهرة‏.‏

وفيها مات بالكرك قاضيها العلامة الورع عز الدين محمد بن أحمد بن إبراهيم ابن الأميوطي الشافعي حكم بالكرك نحواً من ثلاثين سنة وتفقه به الطلبة وحدث عن قطب الدين القسطلاني وغيره وهو والد شرف الدين قاضي بلبيس ثم قاضي مدينة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وخطيبها وإمامها‏.‏

وفيها مات بدمشق الإمام شيخ الإسلام بقية الفقهاء الزهاد خطيب العقبية صدر الدين سليمان بن هلال الهاشمي الجعفري الحوراني الشافعي عن ثلاث وثمانين سنة تفقه بالشيخين محي الدين وتاج الدين وناب عن ابن صصري وبينه وبين جعفر الطيار ثلاثة عشر أباً وكان متزهداً في ثوبه وعمامته الصغيرة ومأكله‏.‏

وفيه تواضع وترك للرياسة والتصنع وفراغ عن الرعونات وسماحة ومروءة ورفق وسعة الخلق وحمل على الرؤوس وكان لا يدخل حماماً حدث عن أبي اليسر والمقداد وكان عارفاً بالفقه وله حكايات في مشيه إلى شاهد يؤدي عنده وإلى خصم فقير وربما نزل في طريق داريا عن حمار له فحمل عليه حزمة حطب لمسكينة رحمه الله تعالى‏.‏

وفيها مات الإمام العلامة ذو الفهم الثاقب والنظر الصائب قاضي القضاة الفقي الشافعي اليمني أبو بكر بن أحمد بن عمر المعروف بابن الأديب كان نجيباً بارعاً رأيته في عدن قاضياً فيها ثم سكن تعز وجعله السلطان قاضياً للقضاة وكان عارفاً بالفقه والأصلين‏.‏

تفقه على إمام الزمن وبركة اليمن الفقيه الكبير الولي الشهير أحمد بن موسى بن عجيل وعلى الفقيه الإمام العلامة البارع أبي العباس أحمد بن رنبول بفتح الراء وسكون النون وضم الموحدة اليمنيين وغيرهما وصار تلميذه الفقيه العلامة نائبه وقاضي القضاة بعده سلالة البركة والنور حسن بن أبي السرور اليمني‏.‏وكان يقرأ عليه في بعض الفنون وفي بعضها على القاضي الإمام العلامة شيخنا شرف الدين قاضي عدن ومفتيها ومدرسها ومقريها وأنا حينئذٍ أكتب القرآن في اللوح نتسابق في الوقت لأجل القراءة على شيخنا المذكور‏.‏

سنة ست وعشرين وسبع مائة فيها توفي سراج الدين عمر بن أحمد بن خضر الأنصاري الخزرجي الشافعي المفتي خطيب المدينة الشريفة وقاضيها ولد سنة ست وثلاثين ونشأ بالقاهرة وتفقه بها على الشيخ سديد الدين وعلى نصير الدين ابن الطباخ وعلى الشيخ فخر الدين بن طلحة وسمع الرشيد العطار وحضر دروس‏.‏

الإمام عز الدين بن عبد السلام ودروس قاضي القضاة تقي الدين بن رزين وله إجازة من المنفري والمرسي والقسطلاني قدم المدينة الشريفة سنة إحدى وثمانين وست مائة وأقام بها أربعين عاماً قاضياً وخطيباً ثم تعلل وسار إلى مصر ليتداوى فأدركه وفيها مات ببعلبك شيخها الصدر الكبير قطب الدين موسى ابن الفقيه الشيخ محمد البوسي صاحب تاريخ سمع وأخبر عن جماعة‏.‏

وفيها ماتت المعمرة أمة الرحمن ست الفقهاء بنت الشيخ تقي الدين إبراهيم الواسطي بالصالحية عن ثلاث وتسعين سنة سمعت وأخبرت عن جمع كثير وكانت مباركة صالحة وهي والدة فاطمة بنت الدباسي‏.‏

وفيها مات بالحلة ابن المطهر الشيعي حسن صاحب التصانيف عن ثمانين سنة وأزيد‏.‏

وفيها مات الشيخ الكبير حماد القطاني بالعقيبة وكان يقرأ القرآن ويحكي عجائب عن الفقراء ويحضر السماع ويصيح وله وقع في القلوب‏.‏

عاش ستاً وتسعين سنة‏.‏

وفيها مات بالمدينة الشريفة الإمام الزاهد التقي قاضي الحنابلة شمس الدين محمد بن مسلم الصالحي وكان من القضاة العدل بصيراً بمذهبه عارفاً بالعربية كبير القدر ولي القضاء إحدى عشر سنة وحج ثلاثاً وفي الرابعة أدركه أجله‏.‏

 سنة سبع وعشرين وسبع مائة

فيها حاصر ودي بن حمار المدينة جمعة وأحرق بابها ودخلها وقتلوا القاضي هاشم بن وفيها كاتبه الإسكندرية ووخم أهلها أميرها وإحراقهم الباب وإخراجهم المسجونين وبعث السلطان إليهم أربعة أمراء وأمر بإخرابها وأهانوا أهلها وصادروهم حتى افتقر خلق كثير ووسطوا ثلاثين نفساً‏.‏

وفيها طلب قاضي حلب ابن الزملكاني إلى مصر ليتولى قضاء دمشق بعد أن عرض قضاء دمشق على أبي اليسر ابن الصائغ فجاءه الشريف فصمم وامتنع وبكى فأعفى تكرماً‏.‏

وفيها توفي القدوة الزاهد عبد الله بن عبد الحليم بن تيمية الحراني أخو الإمام الكبير تقي الدين بن تيمية‏.‏وفيها مات الملك الكامل محمد ابن السعيد عبد الملك بن الصالح إسماعيل ابن العادل‏.‏

وفيها مات في بلبيس قاضي حلب الملقب بفخر المجتهدين كمال الدين محمد بن علي بن عبد الواحد الأنصاري الدمشقي الشافعي كان سيال الذهن أفتى وصنف وتخرج به الأصحاب وطلب ليشافهه السلطان لقضاء دمشق فأدركه الأجل‏.‏

 سنة ثمان وعشرين وسبع مائة

فيها قدم صاحب الروم ابن حوبان بعسكر إلى السلطان الملك الناصر ووصل الماء إلى القدس وفيها مات ببغداد مفتيها وشيخها جمال الدين عبد الله بن محمد العاقولي الواسطي‏.‏

وفيها توفي الإمام الواعظ مسند العراق شيخ المستنصرية عفيف الدين عبد الله بن محمد بن الحسن البغدادي‏.‏

وفيها مات بقلعة دمشق الشيخ الحافظ الكبير تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن تيمية معتقلاً ومنع قبل وفاته بخمسة أشهر من الدواة الورق ومولده في عاشر ربيع الأول يوم الاثنين سنة إحدى وستين وست مائة بحران سمع من جماعة وبرع في حفظ الحديث والأصلين وكان يتوقد ذكاء ومصنفاته قيل‏:‏ أكثر من مائتي مجلد وله مسائل غريبة أنكر عليه فيها وحبس بسببها مباينة لمذهب أهل السنة‏.‏

ومن أقبحها نهيه عن زيارة قبر النبي عليه الصلاة والسلام وطعنه في مشائخ الصوفية العارفين كحجة الإسلام أبي حامد الغزالي والأستاذ الإمام أبي القاسم القشيري والشيخ ابن العريف والشيخ أبي الحسن الشاذلي وخلائق من أولياء الله الكبار الصفوة الأخيار وكذلك ما قد عرف من مذهبه كمسألة الطلاق وغيرها وكذلك عقيدته في الجهة وما نقل عنه فيها من الأقوال الباطلة وغير ذلك مما هو معروف في مذهبه ولقد رأيت مناماً طويلاً في وقت مبارك يتعلق بعضه بعقيدته ويدل على خطابه فيها وقد قدمت ذكره في سنة ثمان وخمسين مائة في ترجمة صاحب البيان فمن أراد أن يطلع على ذلك فليطالع هناك فهو من المنامات التي تنشرح بها الصدور ويطمئن به قلب من رآه وينفتح لقبول الهدى والنور‏.‏

وفيها قتل نائب المشرق حوبان بهراة ونقل تابوته فدفن بالبقيع من المدينة الشريفة ولم يدفن في مدرسته منعهم السلطان من دفنه فيها‏.‏

وفيها توفي أبو عبد الله محمد بن علي بن عبد الواحد المعروف بابن نبهان الخزرجي الشافعي

وفيها توفي الإمام العلامة الأوحد مفتي الشام شيخ الشافعية قاضي القضاة كمال الدين أبو المعالي سمع من أبي الغنائم وجماعة من الكبار وكان فصيحاً مفوهاً مسرعاً‏.‏

له خبرة بالمتون ومعرفة بالمذهب وأصوله والعربية ذكياً فطناً مدركاً فقيه النفس له اليد البيضاء في النظم والنثر تفقه بتاج الدين وأفتى وهو ابن نيف وعشرين سنة فكان يضرب بذكائه ومناظرته المثل‏.‏

 سنة تسع وعشرين وسبع مائة

فيها توفي مدرس البادرائية ومفتي المسلمين‏.‏

شيخ الإسلام برهان الدين إبراهيم ابن الإمام شيخ الشافعية تاج الدين عبد الرحمن ابن إمام الرواحية إبراهيم بن سباع بن فركاح الفزاري المصري الأصل وشيعه الخلق يوم الجمعة عند قبر أبيه بالباب الصغير وله سبعون سنة حضر على الزين خالد وسمع من ابن عبد الكريم وابن أبي اليسر وعدة وله مشيخة يحدث بالصحيحين وأعاد لوالده وخلفه في تدريس البادرانية وفي حلقته بالجامع وتخرج له أئمة وعلق على التنبيه شرحاً كبيراً وكان رأساً في المذهب عارفاً بالأصول والنحو والمنطق مع الورع والتقوى والتعفف والكرم وامتنع من القضاء وباشر خطابة البلد أياماً ثم ترك وكان له وقع في القلوب وود‏.‏

قلت واجتمعت به عند مسجد الخيف ورأيت له في المنام رؤيا حسنة فيها بشرى وكان - رحمه الله تعالى - في حلقة جده ولقد سأله بعض الناس وأنا عنده حاضر فيمن قال‏:‏ أحرمت لله بحجة وعمرة مفردة ما حكمه وكان السائل عامياً قد صدر عنه ذلك فقال‏:‏ ما قال من العلماء بهذا اللفظ أحد فقلت له‏:‏ فإذا كان قد وقع هذا اللفظ من صاحبه‏.‏

كيف يكون الحكم وما الجواب في ذلك فانزعج انزعاجاً شديداً ولم يجب في ذلك بشيء والذي أراه أنا إذا سئلنا عن مثل ذلك أن نقول‏:‏ يحتمل أن يكون محرماً بالحج والعمرة معاً فيكون قوله مفردة لفظاً باطلاً ليس له معنى لحصول قصد الحج والعمرة معاً منه وتعقيبه ذلك بلفظ يناقضه لا يعتبر لأنهما إذا وقعا لا يرتفعان‏.‏

ويحتمل أنه قصد الإحرام بحجة مفردة فسبق لفظه إلى قوله‏:‏ وعمرة مدخلاً لفظ العمرة بسبق لسانه من غير قصد بين الحجة ووصفها بالإفراد فيكون محرماً بالحج فقط وإذا احتمل حكمنا بالأحوط وهو صحة الإحرام بالمتيقن فقط‏.‏

أعني الداخل في التقديرين معاً وهو الحج فينبغي له أن يحرم بالعمرة بعد الفراغ من أعمال الحج ولا يجوز أن يحرم بها قبل ذلك لأنه لا يجوز إدخال العمرة على الحج هذا الذي ظهر لي في ذلك في حال الإملاء والله أعلم‏.‏

وفيها مات بدمشق قاضي القضاة شيخ الشيوخ علاء الدين علي بن إسماعيل بن يوسف التبريزي المعروف بالقونوي الفقيه الشافعي الأصولي الإمام العلامة سمع من جماعة كثيرة واشتغل بالعلوم في بلده على جماعة وحفظ وفهم ثم قدم دمشق في سنة ثلاث وتسعين وست مائة وأخذ في الاشتغال والتحصيل أيضاً على الشيخ نجم الدين مكي والشيخ شمس الدين الآبجي وتصدر للاشتغال بجامعها وولي تدريس الإقبالية ثم قدم القاهرة وولي بها المدرسة الشريفية ومشيخة الشيوخ بالخلفاء المعروف بسعيد السعداء ومشيخة الميعاد بجامع ابن طولون وتصدر للفتوى والاشتغال ونفع الطلبة واشتهر صيته وعلا ذكره وارتفع محله لفضيلته وعلومه وديانته ورياسته وكثرة تلامذته وانتفع به خلق كثير وتخرج به أئمة‏.‏

ثم إن الملك الناصر اختاره لقضاء القضاة بالديار الشامية فطلبه عنده وعرض عليه الولاية فامتنع من ذلك فكرر عليه القول والآن معه الحديث وتلطف به حتى قبل الولاية وأضاف إليه مع قضاء القضاة مشيخة الشيوخ أيضاً فتوجه إلى دمشق متولياً ذلك مع تدريس المدرسة العادلية والغزالية فنظر في ذلك وأحسن النظر وتصدى للاشتغال بالعلوم من القيام بوظائفه وكان للطلبة به نفع وأقام بدمشق سنين مضبوط الأمر محفوظ الباب نزهاً عفيفاً إلى أن أدركه الأجل بها عن بضع وسبعين سنة لأن مولده سنة ثمان وستين وست مائة وله من المصنفات شرح الحاوي الصغير في الفقه في أربع مجلدات ومختصر منهاج الحليمي وكتاب شرح التعرف لمذهب التصوف وله شيء في الأصول وحواشي ونكت وتعاليق رحمه الله تعالى‏.‏

قلت‏:‏ ولم أر في شروح الحاوي أحسن من شرحه جامعاً بين الاقتصاد والتحقيق وحسن المباحث والقواعد مشعراً بالتحلي بحليتي العلم والتدقيق‏.‏

 سنة ثلاثين وسبع مائة

فيها قدم على قضاء دمشق علم الدين الأخنائي فاستناب مدرس الشامية ابن المرحل وفيها نقل من طرابلس إلى قضاء حلب الشيخ شمس الدين ابن النقيب رحمه الله‏.‏

وفيها مات مسند الدنيا المعمر شهاب الدين أحمد بن أبي طالب بن نعمة الصالحي الحجازي المعروف بابن شحنة وحدث يوم موته وله مائة وبضع سنين سمع ابن الزبيدي وابن اللتي وأجاز له ابن روزبه والقطيعي وعدة ونزل الناس بموته درجة‏.‏

وفيها مات بمكة قاضيها ومفتيها ومدرسها وشيخ حرمها الصدر الكبير الفقيه العالم الشهير الإمام نجم الدين محمد ابن الإمام العالم القاضي جمال الدين ابن الشيخ الإمام الفقيه المحدث العلامة محب الدين أحمد بن عبد الله الطبري‏.‏

سمع من جماعة وتفقه على جده الإمام محب الدين المذكور وكان فقيهاً نجيباً بارعاً أديباً حليماً كريماً حسن الاعتقاد في الفقراء والعباد بحسن الأخلاق متصفاً متواضعاً وفي البحث منصفاً‏.‏ولقد كان مع جلالة قدره وعلو محله وجمعه المناصب الكثير والمناقب الكبيرة والمحاسن الشهيرة يقول في أثناء قراءتي عليه ‏"‏ كتاب الحاوي ‏"‏ الصغير الحرم الكثير العلم‏:‏ لقد استفدت معك أكثر مما استفدت معي ويقول لي‏:‏ لقد قرأت هذا الكتاب مراراً ما فهمته مثل هذه المرة‏.‏

ولما فرغت من قراءته قال في جماعة حاضرين‏:‏ اشهدوا علي إنه شيخي فيه وجاءني إلى مكاني في ابتداء قراءته لأقرأه عليه كل ذلك من التواضع وحسن الاعتقاد والمحبة في الله والود وكان قد قرأ الكتاب المذكور وشرحه على الشيخ الإمام الكبير عز الدين الفاروقي بحق روايته له عن مصنفه الشيخ الإمام عبد الغفار القزويني وكان القاضي نجم الدين المذكور محفوظه كتاب المحرر للإمام أبي القاسم الرافعي ولكنه كان معجباً بالحاوي ويقول‏:‏ لو جاءنا الحاوي قبل أن أحفظ المحر لم أشتغل بالمحرر‏.‏

وله نظم حسن وقد قدمت في ترجمته الشريف حميضة في سنة عشرين وسبع مائة أني سألت النبي عليه السلام في المنام السلامة له فتبسم عليه السلام وقال‏:‏ ‏"‏ ما يصيبه شر ‏"‏ وكان له رحمه الله عليه نصيب وافر من الصالحين وبلغني أنه قال لبعض الكبار منهم‏:‏ أريد أن أصحبك مع التخليط فقال‏:‏ اصحبني على أي حال كنت وكانت والدته من الصالحات وكان قد تمرض في شبابه فافتجعت عليه فجعاً شديداً فمر بها شيخ لا تعرفه فقال لها‏:‏ لا تخافي عليه ما يموت حتى يكون سنه سني سبعين سنة فلما مرض مرض موته كان يرجو العافية فدخل عليه صهره إمام المقام أحمد ابن شيخنا رضي الدين فقال له‏:‏ ما عليك شر إن شاء الله تعالى قد بشرت والدتك إنك تعيش سبعين سنة وكان مرضه ذلك بعد كمال السبعين ولكنه كان غافلاً من ذكر ما جرى لوالدته مع الشيخ المذكور وكان الإمام أحمد جاهلاً بكونه قد بلغ السبعين فلما قال له ذلك صاح القاضي نجم الدين وأيقن بالموت فمات في ذلك المرض‏.‏

وفيها توفي المعمر زين الدين أيوب بن نعمة النابلسي ثم الدمشقي الكحال‏:‏ حدث عن جماعة سنة إحدى وثلاثين وسبع مائة فيها وصل إلى بلاد حلب نهر الساجور وبعد غرامة كثيرة وحفر زمن طويل في جريانه‏.‏

وفيها مات ببلاد المغرب السلطان أبو سعيد عثمان ابن السلطان يعقوب بن عبد الحق المديني وكانت دولته اثنتين وعشرين سنة وتملك بعده ابنه السلطان الفقيه الإمام أبو الحسن‏.‏

وفيها مات الأمير الكبير نائب السلطان أرغون‏.‏

وفيها توفي أقضى القضاة جمال الدين أحمد بن محمد بن القلانسي التميمي الشافعي قاضي العسكر ووكيل بيت المال ومدرس الأمينية والظاهرية وكان عالماً محتشماً مليح الشكل لين الكلمة‏.‏

حدث عن ابن البخاري‏.‏

 سنة اثنتين وثلاثين وسبع مائة

فيها جاء بحمص سيل فغرق خلق منهم في حمام النائب بظاهرها نحو المائتين من نساء وأولاد‏.‏

وفي ربيع الآخر تسلطن الملك الأفضل علي بن المؤيد إسماعيل الحموي وركب بالقاهرة بالغاشية والعصائب ثم كان عرس محمد ابن السلطان علي بنت الأمير الكبير بكتم‏.‏

قيل‏:‏ وفيها مات صاحب حماة الملك المؤيد عماد الدين إسماعيل بن الأفضل علي الأيوبي الحموي صاحب التاريخ وناظم الحاوي وله كتاب تقويم البلدان وفضائل وفلسفة‏.‏

وفيها مات الولي الكبير الشيخ العارف بالله الشهير ياقوت الحبشي الشاذلي صاحب الأوصاف الحميدة والكرامات العديدة والأحوال السنية والمقامات العلية والأنفاس الصادقة والأنوار البارقة تلميذ شيخ الشيوخ صاحب النور القدسي أبي العباس المرسي‏.‏وفيها مات الشيخ قطب الدين السنباطي محمد بن عبد الصمد بن عبد القادر الأنصاري المصري الفقيه الإمام الشافعي وكان من أعيان الشافعية وخيار الفقهاء وكبارهم‏.‏

حسن الهيئة بهي المنظر قليل التكلف كثير التواضع حسن الأخلاق محباً للطلبة‏.‏

درس بالفاضلية وأعاد بالصالحية والناصرية وتصدر للاشتغال وانتفع به خلق كثير وصنف في الفقه زوائد التعجيز على التنبيه وناب في الحكم عن قاضي القضاة جمال الدين الذرعي مدة ثم عن قاضي القضاة بدر الدين ابن جماعة وتولى وكالة بيت المال مستمراً على ذلك إلى موته‏.‏

وفيها مات صدر الأكابر والرياسة والمفاخر فخر الدين محمد بن فضل الله كاتب المماليك ناظر الجيش المصري وله جلالة وشهرة وأوقاف وثروة وأحيط على حواصله‏.‏

قلت‏:‏ ولقد رأيته في المسجد الحرام يمشي معه القاضي الرئيس الكبير قاضي مكة نجم الدين الطبري وهو يدور على أهل الخير والصلاح من المجاورين ويفرق عليهم الدنانير فلما رآني نجم الدين المذكور مال به إلى عندي‏.‏وبلغني أنه حج مع السلطان الملك الناصر في بعض حجاته وكان قريباً منه فلما مر بوادي بني سالم السلطان بدا له جبل ورقان فقال‏:‏ يا فخر من في رأس هذا الجبل قال‏:‏ غلمان مولانا‏.‏

قال‏:‏ ليس النازلون في هذا الجبل لي بغلمان‏.‏

يعني أن من كان ساكناً في هذا الجبل المنيع العالي فليس لي في طاعة ولا بي مبال وفي هذا المعنى خطر لي هذان البيتان‏:‏ إذا ما كنت في حصن علا في رأس ورقان فإني لا أبالي بوالٍ أو بسلطان وهذا الجبل المذكور يؤتى منه بالعسل الفائق المشكور وأخبرني من له به خبرة أن فيه أشجاراً ونباتاً وأزهاراً كثيرة يطول في ذكر أسمائها التعداد ولا يوجد في غيره من البلاد‏.‏

وفيها توفي الشيخ الجليل الإمام العلامة المقرئ شيخ القراء برهان الدين إبراهيم بن عمر الجعبري الشافعي صاحب الفضائل الحميدة والمباحث المفيدة والتصانيف العديدة وجملتها نيف على مائة تصنيف ومن نظمه‏:‏ سأنشر للطلاب علماً كعادتي عزيز المعاني فيه من حسنه لطف وإن صادفتني يا صاحبي منيتي فصبر جميل فالصبور له الوصف إلهي فحقق لي رجائي تكرماً فشأنك فينا الصفح والعفو واللطف وله أيضاً في عدة مؤلفاته وتاريخ مولده وطلب المغفرة من ربه عز وجل‏:‏ أيا سائلي عن عدما قد جمعته من الكتب في أثناء عمري من العلم أصخ لي فقد عرفت ذاك بنيف على مائة ما بين نثر إلى نظم ومن عجب زادت على العمر تسعة وعشر وما أدري متى منتهى يومي فخذ منه ما يختار واسمح بنشره على طالبيه داعياً لي على رقمي وخذ مولدي في أربعين مقرباً وست مئات أو مئين على الرسم وكان وجودي في الوجود جميعه كطيف خيال زار في نوم ذي حلم إلهي فاختم لي بخير وكفر من ذنوبي عسى ألقاك رب بلا إثم بحق القرآن والنبي محمد تقبل دعائي رب شفعه في جرمي وفيها توفي القاضي شمس الدين المعروف بابن القماح الحسن بن محمد بن عبد الرحمن السخاوي الشافعي الفقيه العلامة النحوي اللغوي البارع الفاضل المتفنن ابن الإمام جمال الدين ابن الإمام تقي الدين تولى القضاء وكان فاضلاً عالماً ذكياً فقيهاً نبيلاً حافظاً لمقامات الحريري وديوان المتنبي وغير ذلك وكان فيه مكارم وحسن أخلاق‏.‏

ومما روي عنه أنه قال‏:‏ أنشدني شيخنا زين الدين ابن الرعاد النحوي لما توفي القاضي كمال الدين النسائي وولي بعده القاضي كمال الدين بن عيسى القليوبي بالعربية هذين البيتين وكتب بهما إلى عيسى المذكور‏:‏ نقل الناس وهو نقل غريب إن بعد الكمال يحدث نقص وأتانا بعد الكمال كمال وأتانا بعد الأعم الأخص وتوفي رحمه الله تعالى ليلة الجمعة الثامن من شهر شوال‏.‏

 سنة ثلاث وثلاثين وسبع مائة

فيها توفي شيخ الإسلام الإمام بدر الدين محمد بن إبراهيم ابن جماعة الكناني الحموي الشافعي قاضي القضاة المفتي العلامة ذو الفنون والمناقب والرياسة والمناصب عن أربع ولد بحماة سنة تسع وثلاثين وست مائة وسمع سنة خمسين من شيخ الشيوخ الأنصاري وبمصر من الرضي بن البرهان وللرشيد العطار وعدة وبدمشق من أبي اليسر وطائفة وأجاز له خلائق وحدث وتفرد في وقته وكان قوي المشاركة في فنون الحديث عارفاً بالتفسير والفقه وأصوله ذكياً يقظاً مناظراً متفنناً مفسراً خطيباً مفوهاً ورعاً صيتاً تام الشكل وافر العقل حسن الهدى متين الديانة ذا تعبد وأوراد وحج اعتمار وحسن اعتقاد في الأصول والصالحين من العباد‏.‏

وله تصانيف سائرة وأربعون تساعية درس وأفتى واشتغل ثم نقل إلى خطابة القدس ثم طلبه الوزير ابن سلغوس فولاه قضاء مصر وارتفع شأنه ثم بعث على قضاء الشام ثم ولي خطابة دمشق وروى الكثير ثم طلب لقضاء مصر بعد ابن دقيق العيد وامتدت أيامه وحمدت أحكامه وكثرت أمواله وحسنت أعماله وترك الأخذ على القضاء عفة وكان يخطب من إنشائه ويتثبت في قضائه‏.‏

ولي مناصب كباراً وكان قد صرفه السلطان بالماضي جمال الدين الزرعي نحو السنة ثم أعاده السلطان إلى منصبه ثم شاخ ونقل سمعه ثم أضر وعزل وأقبل على شأنه وعلى أستاذه وتفرد وصنف في علوم الحديث والأحكام وغير ذلك وله وقع في القلوب وجلالة في الصدور وكان والده من كبار الصالحين‏.‏

قلت‏:‏ هكذا ترجم عنه بعض المتأخرين بهذه الترجمة وهو جدير بها ما خلا ألفاظاً يسيرة أدخلتها فيها وكان حسن الاعتقاد في الصوفية وبلغني أنه سئل عن ذلك فقال كلاماً معناه أن سبب ذلك أنه كان إذا مر في صغره على فقير في بلاد الشام يقول‏:‏ مرحباً بقاضي الديار المصرية وكان من أمره ما كان من السيرة الرضية‏.‏رحمه الله تعالى‏.‏وفيها توفي مفتي المسلمين الإمام الأجل شهاب الدين أحمد بن يحيى بن جميل الشافعي مدرس البادرائية سمع من الفخر علي وابن الزين والفاروثي‏.‏

وتفقه على شرف الدين ابن المقدسي وابن الوكيل وابن النقيب ولي تدريس الصلاحية في القدس مدة واشتغل وأفتى وبرع في الفقه وولي مشيخة الظاهرية ثم نقل إلى تدريس البادرائية وله محاسن وفضائل ومكارم وفيه خير وتعبد وحج غير مرة‏.‏

قلت‏:‏ وحصل بيني وبينه اجتماع في حجة في المدرسة الشهابية من المدينة الشريفة لأنه نزل فيها وكنت قبله نازلاً بها ثم سألته عن مسألة خطرت لي وهي أني قلت له‏:‏ في الذكر الوارد في كفارة المجلس‏.‏

لا يخلون إما أن يكون الشخص صادقاً في قوله وأتوب إليك أو كاذباً فإن كان صادقاً فالمغفرة تحصل بمجرد التوبة ولا تفتقر إلى الذكر المذكور من قوله‏:‏ سبحانك اللهم وبحمدك إلى آخره وإن كان كاذباً فكيف تحصل له مغفرة مع إخباره بتوبة هو كاذب فيها مصرفي نفسه على معاصيها فأجابني بجواب في الحال ليس بشاف في هذا السؤال ليس هو الآن لي على بال‏.‏

وفيها مات في بدر الولي الكبير المشغول بالله الشهير الشيخ علي بن الحسن الواسطي الشافعي محرماً متوجهاً إلى الحج وكان ذا همة عالية حج مراراً كثيرة واعتمر على ما روى بعضهم أكثر من ألف عمرة وتلا أزيد من أربعة آلاف ختمة فطاف مرات في كل ليلة سبعين أسبوعاً ورأيته يسرع في طوافة مثل ما يرمل المحرم أو أسرع وبلغني أن بعض الناس كان ينكر عليه في إسراعه ذلك فرأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فذكر له ذلك المنكر عليه فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ قل له ‏"‏ إن قدر يزيد على ذلك الإسراع فليفعل ‏"‏ والذي فهمت منه أنه كان في عدوه ذلك واجد أو يدل عليه أني رأيته يطوف في شدة الحر فسألته عن ذلك فقال‏:‏ ما أجد حراً ولعمري إن كل صادق واجد لا ينبغي أن يعترض عليه فيما يفعله ولهذا رأيت غيره من بعض الصالحين يطوف في حال وجده وهو يعدو فنهاه بعض الفقهاء فلم يلتفت إليه فأمر بإمساكه فسلط الله على ذلك الفقيه من أمسكه من ظلمة السلطنة وضربه على القرب من فعله ذلك وكان الشيخ علي الواسطي المذكور شديد المجاهدة يغتسل لكل فريضة في البرد الشديد وغيره‏.‏

وكان قد بلغني أنه رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في اليقظة فسألته عن ذلك فأقر به وكان أول اجتماعي به في الليل في شهر رمضان في المسجد الحرام فقال‏:‏ ‏"‏ أجدني أحبك ‏"‏ وأطعمني كسرة من بقية عشائه والناس يصلون التراويح فقال لي‏:‏ ‏"‏ ما تصلي بنا ‏"‏ فقلت له‏:‏ تقدم بنا تصلي مع الجماعة فذكر لي كلاماً معناه أنه ما يجد الجماع قلبه في مخالطة الناس وكان في ذلك الوقت ثلاثة رجال واسطيون كلهم ملاح مع تفاوت طريقتهم في أوصاف الصلاح‏.‏

أحدهم الشيخ علي المذكور وكانت طريقته الانفراد والبعد من الناس كلاهم كأنه أسد وكان مهنا ملك العرب يحبه ويعظمه ويقسم برأسه على ما سمعت‏.‏

والثاني الشيخ عز الدين الواسطي وكانت طريقته القرب من كل أحد مطلقاً حتى لو جاءه صغير فصب به حيث شاء وكان سليم الصدر لا يدري ما عليه الناس حتى أنه دخل العسكر المدينة مع الشريف روى فلما رآهم قال‏:‏ ما هؤلاء‏.‏

وكانوا قد حاصروا المدينة أياماً كثيرة وما عنده شعور بذلك وهو في ذلك الوقت إمام الناس في مسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكان إذا عرف الإنسان في يومه أنكره من الغد وكان أكثر مجاورته في المدينة الشريفة وكان الصلاح ظاهراً عليه وهو آخر من ألبسني الخرقة بينه وبين الشيخ شهاب الدين السهروردي وإلباسها واحد كان يعظم الكعبة المشرفة إذا ذكرها ويقول قال لله تعالى‏:‏ ‏"‏ وطهر والثالث من الواسطيين المذكورين ابن الشيخ أحمد الواسطي كان مجاوراً بمكة كانت طريقته متوسطة بين طريقتي المذكورين يتقرب من الفقراء ويتباعد من أهل الدنيا وكان صاحب جد واجتهاد وكان أيضاً كثير المودة لي حتى أخبرني الشيخ إبراهيم المقرئ - رحمة الله على الجميع عنه أنه قال‏:‏ ما لي في الحرم صديق إلا فلان فلي والحمد لله من الثلاثة كلهم نصيب‏.‏

بل من غيرهم من الصالحين أيضاً فقد قال لي الولي الكبير الوافر النصيب ذو الأحوال السنية والهمة العلية الشيخ خالد بن شبيب‏:‏ رأيت الأولياء كلهم يحبونك داعين مستبشرين‏.‏

وكان رضي الله تعالى عنه يجتمع برجال الغيب في البراري كثيراً وله معهم حكايات عجيبة ليس هذا موضع ذكرها وكان يبلغني السلام عنهم والإشارة بما أفعله وما يكون في بعض الأحيان والحمد لله الجواد المنان‏.‏

وفيها ماتت بدمشق المعمرة المسندة أم محمد أسماء بنت محمد بن سالم سمعت من مكي بن غيلان وتفردت وحجت مراراً وتصدقت‏.‏

 سنة أربع وثلاثين وسبع مائة

قال الذهبي‏:‏ جاء بطيبة سيل عظيم أخذ الجمال وعشرين فرساً خرب أماكن‏.‏

هكذا قال في تاريخه وقد رأيت سيلاً عظيماً يجري في وادي قناة واستمر ذلك ستة أشهراً وأكثر وكان قد طلع في قبة حمزة بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنه أذرعاً ودار بجبل الرماة من جهة القبة المذكورة المكرمة ومن جهة المدينة الشريفة المعظمة وأقمت أياماً وليالي كثيرة أتوضأ منه مع الولي المجرد الشيخ المودود ذي الأحوال الباهرة والكرامات الظاهرة عبد الرحمن الحبشي‏.‏

وفي السنة المذكورة توفي الحافظ العلامة المتفنن فتح الدين أبو الفتح محمد بن محمد ابن سيد الناس روى عن جماعة ورحل وحدث وجمع وصنف وله النظم والنثر ومعرفة الرجال وبراعة الحفظ والخط‏.‏

وفيها توفي قاضي القضاة الإمام العلامة أبو إسحاق إبراهيم بن الحسن بن عبد الرفيع الربعي التونسي عن تسع وتسعين سنة وأشهر روى عن جماعة‏.‏